الدور على الغرباء

Thursday, January 10, 2008

وسط المدينة


( 1 )

الشَّوَارِعُ الغَريبةُ تَخْلِقُني من جَدِيدٍ
تذكِّرُني دائما بطفولةٍ لم تطأْها قدماي،
ولم أنسَ بها عينيَّ
أحلمُ بطفولةٍ أجملَ كلّما صادَفَني شارعٌ غَرِيبٌ.
: الشَّوَارعُ تجعلُنا طيبينَ.
*
القصائدُ تسكنُها النِّساءُ.
والشوارعُ لا تكفُّ عن قنص القصائدِ وتهذيبها
كما يليقُ بمرور شاعرٍ فوضويٍ
ينسى دائمًا
أمامَ أيّ قصيدةٍ جميلةٍ
أنّه شاعرٌ.

( 2 )

الفَتاةُ الّتي وَدَّعَتْني
عندَ مفترقٍ أدمنتُ انتظارَها عليهِ
تسكنُ معي الآنَ
نغنّي معًا،
ونَضْحكُ على طفولتِنا
تَرسمُ فضاءً يشبهُني كثيرًا
وأوزِّعُ السّحابَ فيه بشكلٍ محايدٍ؛
كي تتسلَّلَ الشمسُ كلَّ صباحٍ،
مثل أصابعي، إلى خدِّها
تسكنُ مَعِي الآنَ في شَارِعٍ
أبحثُ فيه عن بيتٍ مُنَاسبٍ لي.
*
الفتاةُ ذاتُها
تطرقُ البابَ، بعدَ أن خرجَتْ غاضبةً
نسيتْ حِزامَها
في الممرِّ الطويلِ الذي جلسَتْ به
تشاهدُ فيلم (سويت نوفمبر) وتنتَظرُني،
تأخرتُ ليلتَها
وأنا أبحثُ عن هذا البيتِ
ذي الممرِّ الطويل.
*
نسيتُ ذاكرتي معَها،
ومشيتُ.
تُلقي السَّلامَ بعيدًا على شاعرٍ يُشبهُني
تسألُه عَنِ اسمها الّذي نسيتْهُ معي
بينما أفكّرُ كيفَ سأُعَرِّفُها
بنفسي مرةً أخرى.


( 3 )

لا أحدَ يعرفُني هنا،
وأعرفُ كلَّ الذين يمرّونَ الآنَ عليّ
في شارعٍ موازٍ ولا يلقونَ السّلامَ
أجلسُ وحدي بينهمْ،
وهمْ ينسحبونَ
بهِدوءٍ،
منَ السّلمِ الخلفيّ للذاكرةِ
وأنَا أُعِدُّ فنجانَ قهوةٍ واحدا
لِي ولَهُمْ.

( 4 )

المدينةُ كسائحٍ أجنبيٍّ
تحاولُ فهمَ ملامحَ سكّانِها
ثمةَ خدشٌ في يدي
يحتاجُ إلى ترميمٍ؛
لتفهمَ المدينةُ ملامحي.
*
هنا، وسط المدينةِ
قابلتُ صديقي في نفس المقهى الذي كنّا نجلسُ فيهِ معًا،
قبلَ أن يُرَاهِنَ على قصيدةِ النّثرِ،
نراقبُ المدينةَ
ونخفّفُ المعنى مِنْ ثِقَلِ الوزنِ
ومن شتاءِ المفرداتِ
ودّعتُهُ
ووسطُ المدينةِ مزدحمٌ
بالمفرداتْ.

( 5 )

قالتْ لي: أعرفُكَ،
رأيتُكَ مرةً تنسحبُ من ذاكرتي
بمهارةِ عاشقٍ.
وتظاهرتُ؛ لأنني حسبتُها القبلةَ الأخيرةَ
ليْ منكَ،
أنّني لا أعرفُكَ.