الدور على الغرباء

Sunday, March 15, 2009

لم أقتل أحدا


لم أقتل أحدا، ولم يطلْ أحدٌ من ساعتي ليوقف الوقتَ حتى أجد الجهة المناسبة للركضِ خلف ما بدا لي مريحا، لاحقتُ الريحَ أكثر من مرةٍ لأسمع ما تسرّ للأشجار به فتصرخُ من الفرحِJustify Full، لاحقتها مرة حتى اصطدمت بباب البيتِ كنت أضع يدي في جيبي وأمشي خفيفا تحملني مترا وأمشي مترا آخر على قدمي وأدندنُ أغنية فيروز (من زمان كان في صبي العب انا وياه)، حلمت أني ألمس السحابَ بعد أن حدثتني أمي عن ناطحات السحابِ في بلادٍ لم أزرْها حتى هذه اللحظة، وحين صحوت وجدتُ وجهي ملتصقا ببلاط الغرفة، كان البلاط أبيضا تماما كلون الحلم، جرّبت أن أرى الله نمتُ على السرير، وتجاهلت كل حواسي مستعينا بإغماض عيني، ومضت ساعةً وأنا على هذا الوضع ولم أر سوى دوائرَ بيضاء تتسعُ وتضيق، قرأت في أحد المجلاتِ عن طفلٍ بحث مثلي عن الله ثم صعدَ إلى السماءِ فحولته السماء إلى فيلٍ أبيض بستة أنيابٍ ليدخل في خصر أمه ويولد من جديد على هيئة زهرة لوتسٍ بيضاء فيها صفات الكمال، وبعد أن راقبتُ خصر أمي لم تعجبني فكرة الفيل ولا قتل أمي ولا تحويلي إلى جمادٍ حتى لو كان زهرة لوتس تخرج من بطن أمي واكتفيت بكلام أبي: الله موجود يرانا ولا نراه. إلى أن همس صديق لي أن من الأنبياء من رأى الله، ففرحتُ بفكرة كوني نبيا، وطرت إلى المصحف ففيه كل ما يلزم المرء ليكون نبيا ولله الحمد أن هُدم الحلم مرة أخرى بأن محمدا آخر الأنبياء، توقفت بعدها عن إخبار أصدقائي الضالين بما أحلم به.. وعدت لملاحقة الريح، الريح تأتي بالمطر ولها صوتٌ يقلل من هدوء الليل، والريح تسبب الفرح للأشجارِ. في "غزة" حيث ولدتُ تهبّ الريحُ دائما من الغرب من جهة البحر، ظننتُ أن البحر يحجب عني سر الريح العظيم الذي يجعلها قادرة على تحريك الكون، البحر والريح صديقاي المخلصان منذ الطفولة، أتجسس على الريح وأصالح البحر كي أخبره عن أسرار الريح، تعلمت مصادفةً من البحر أن أكون وصوليا، في حصص الرسمِ تعودتُ مزج الحلمَ على ورقة الرسمِ حتى خلصتُ إلى لوحة لشجرةٍ كبيرةٍ تنبتُ في وسط البحرِ أجلسُ عليها وأمد يدي لأمسك الريحَ واستعضتُ بخطوط مائلة عن الريحِ والأغربُ من هذا أن المدرس اتهمني بسرقة رسوماته أخبرني أبي بذلك بعد أن طلب المدرس مني احضاره وشكره أبي يومها، وأخبرني بعدها أن موج البحر ليس جبالا وصوّره القرآن بالجبال في قصة نوح لتعظيم الموج فقط وواصل ألم يغرق ابن نوح في الموج، إذن الموج ليس جبلا فلم نسمع عن أحد غرق في الجبل، واكتفيتُ بإصراري أني لم أسرق لا الرسومات ولا المدرس ولا القرآن ولا نوح وبحره حتى، ولم أتعلم السباحة خشية الغرق، خفت من الغرق بعد أن فكرتُ كثيرا بقتل البحر ومواجهة الريح بلا موج يحجب أسراره، فلا بد أنه يحجب الكثير من الطقوس التي ستفرحني مثل الأشجار. في الشتاء يُحضر أبي قطعا من أفرع الشجر الجافة يختارها بعناية ويضعها في كانون ويشعلها خارج البيت ثم بعد أن تخف النار يدخلها للبيت نلتف حولها ولا تقدر أجود أنواع التدفئة الحديثة على إحداث دفء الكانون في البيت، وفي آخر الليل يبلل ورق الجرائد بالماء ويلف البيض به ليدسه في الرماد تحت بقايا الجمر ويتركه حتى ينضج، وفي يده سكين ليحرك الجمر ، تسخن قشرة البيض ببطء وعلامة نضج البيضة أن تنكسر القشرة كأنها جاهزة للتقشير والأكل، تنكسر باصدارها صوت ( طق )، نأكل ولم يتوقف يوما عن ذكر الفرق بين نار البيض ونار جهنم وينسى أن الحديث عن جهنم يقضي على الرغبة في الأكل. ربما هناك خلف البحر أكثر من شواء البيض، وحين نضجت حواسي أكثر ونضجت معها رغباتي في كشف سر الريح، أحببت النساء في ملابس الشتاء الثقيلة، وحول أعناقهن وشاح صوفي وأنوف وأعقاب أقدامٍ تضيء احمرارا من البرد، أنوف النساء الباردة أمارة بالسوء والمعطف النسائي الطويل يجعلني أكثر شبقا يخفي جيدا ما أحب أن أراه جسدا حريريا يكويني بدفئه، هكذا حتى لامست أول فتاة كنت في الرابعة عشر من عمري جاءت لتستعير دفتر الواجبات المدرسي وانتظرتْ داخل البيت كي تجف ملابسها قليلا من المطر أو على الأقل أن يخف المطر في الخارج وكان الدفء سيد الموقف لم أحب الفتاةَ ولم أفكرْ بها من قبلُ، فقط التقطتُ الدفتر من يدها وهي ترتعش تحت ثوبها المدرسي المخطط وإما أن أكتشف سر تلك المنطقة المستديرة التي تضع الدفتر عليها كلما أعطتني ظهرها لتراقب المطر من خلف الباب، وإما العقاب المدرسي وما كان أن أعطتني ظهرها مرة أخرى لتراقب المطر والناس ورفعتُ بيدي الباردتين طبقات الدفء لأكشفَ سرا أبيضا يشوبه احمرارٌ أيضا بعيدا عن فضول الطفولة واقترابا من رغبة الرابعة عشر في تحقيق الدفء الجسدي والاحتفاظ بالبكارة لكلينا، وأحببتُ من يومها تفكيري في تلك الفتاةِ، وشكرت الريح للمرة الألف، عشت ضيفا على الريح والبياضِ الذي تقدمه لي. لم تقلقني كما أقلقت المتنبي، ثم توطدت علاقتي بالبحر أكثر فهو يجبرهن على التعري أمامه حين تغيب الريح في الصيف، عرفت أن البحرَ صديق لا يستحق القتل ولم يخفف هذا خوفي من الغرق، ربما لأن لي خالا اشتهر بين أصدقائه بمهارته في السباحة حتى لفظه البحر غريقا..
علمتني الريح الرغبة والخوف وإخفاء الأسرار وانتقاء الأصدقاء ومعرفة الجهة الأقصر لما يبدو مريحا لي حتى في الابتعاد عن رؤية الله، أحببت الريحَ كثيرا فكرتُ أن أتزوجها، وحلمتُ أني أمشي على البحرِ كي أصل إليها ولا أصل، كانت الشمسُ تغيبُ في كل مرّة ويظلمُ البحرُ فلا أصلُ إليها، ربما سكنتْ تلك الفتاة أو ربما كانت هي الفتاة نفسها فلم أرَها من بعدها ولم ترجعِ الدفتر لي، أو ربما الليل هو ما يخفيه البحرُ. قلت سأستبدلُ الريحَ والفتاةَ بفتاةٍ بيضاء أخرى على أن تنقل الواجبات في البيت وعلى مكتبي هذه المرة، وحين سألتني أمي هل ستتزوجها فاجأتها بأني أحب الريح، ولكي تهرب من المفاجأة أخبرتني أن الريحَ ذكر، صدّقت بعدها أن الريح تقيم مع فتاتي خلف الليل، ومن يومها أريد أن أقتل الريحَ.

Thursday, November 27, 2008

جناس


فتى
شدّ نصفَ نهارٍ على بَرْدهِ
ثم نامْ
رأى ملَكا،
يأمرُ الكلماتِ: اقرأيهِ؛
ليعرفَ معنى الكواكبِ والكائناتِ
اقرأيهِ؛ لتسجدَ قدّامَ عينيهِ مَمْلكةٌ في الغمامْ
فيخرجَ من بينِ ضلعيهِ باقي النهارْ
أنتَ الفتى
والنهارُ امرأةْ
أنتما حكمةُ الأزمنةْ
أنتما سببٌ للرؤى..
تدخلان معًا صوبَ ما دوّنَ الغدُ:
فلسفةً تحملُ الكَلِماتُ عناوينَها وتضلُ الطريقَ لها.
رحلةً صوبَ أرضِ الكنانةِ
فالنيلُ زَوجُ الأميرةِ في عُرْسِهَا الفلسَفِيّ
وحارسُ ليلِ الأبدْ.
هناكَ..
سيختارُكَ النيلُ زوجًا لها.
ثمّ لنْ تجدا حجرًا دوّنَ العابرونَ عناوينهمْ فوقَهُ
لنْ تجدا بلدةً منْ خِيامٍ
ولا قائدا روّضَ المستحيلَ
ولنْ تجدا هَرَمًا واقفا في مهبّ الحروبِ
ليحرسَ موتَ أحدْ.
سوف تتفقان على طُرُقٍ تعرف الكلماتُ عناوينَها
تخرجان معًا دمعةً تتوهّجُ أنثى
وأخرى تقلّدُ صَبْرَ الوَلَدْ
ثمّ تعتذرانِ لأمسِ البلَدْ.

أنتما حكمةُ العَاشِقِيْنَ
تقولُ لها: مَنْ سَلا الشِّعرَ
يبكي وقوفا، على حجرٍ يرثُ الأزمنةْ
تقولينَ : هم من أحبّوا الطّريقَ
ومرّوا بها قبلَ أن نرثَ الشّعرَ
مَرّوا وذَلّوا ومَلّوا البُكَاءَ عَلَى الأمكنةْ
تقولُ لها: النّونُ محبرةُ العارفينَ
هو النّونُ ليلُ نبيٍّ يسبّحُ علّ السّماءَ
تُطلُّ على حبرهِ من ممرّ الدّخولِ إلى الضّوءِ
ما بينَ إِغفاءة و سِنَةْ.
تقولينَ : نونُ المضارعِ ترنيمةُ العاشقينَ
هي النّونُ قافيةٌ للحنينْ
فهل كان حرفُك أمرا
وهل كان حبُّكَ جمرا..
تقول لها : سوف يربكُ هذا الجِناس اللغةْ..
تقولينَ : تُنقذُُها التّجربةْ.
تقولُ لها : ننثرُ الشعرَ تأتي الحروفُ على رِسْلِهَا
سهلةً دونَ قلقلةِ الوَزْنِ والقَافِيَةْ.
تقولينَ : تجرحُهَا التّسْمِيَّةْ.
تقول لها : انتبهي،
تجدي النّفسَ تسكنُ برجَ الحمامِ
وتهربُ مِنْ منزلٍ في السّحابِ
تقولينَ : أعرفُ معنى الرّجوعِ
إلى جَسَدِي،
حينَ ينزفُ نايُ الأغاني القديمةِ
أغنيةً للصهيلِ
وأغنيةً للغيابِ..
تقولُ لها: النفسُ أمارةٌ بالرّجوعِ إلى نفسها
والنفسُ صاعدةٌ،
في ممرّ الدّعاء الطويلِِ، إلى نفسها
تقولينَ : رَبّ أحطْهُ منَ النّورِ بالنورِ
واحفظْ بَيَاضَ السَّمَاواتِ في رُوحهِ
تقولُ لها : القدسُ نقطةُ ضعفِ القويْ.
تقولينَ : والقدسُ ضعفٌ قويْ.
تقولُ لها : القدسُ مسرى الشهيدِ يزّيّنُ رحلتهُ،
صوبَ حكمتهِ، بالورودْ
تقولينَ : والقدسُ مسرى النبيّ يشدّ السماءَ
إلى حِكْمةٍ علّقتْ صخرةً في الفراغْ
تقول لها : القدسُ غصّةُ قلبِ المحاربِ
غصّةُ صمتِ الشهودْ
تقولينَ : لا النّفسُ ضاقتْ ولا القلبُ زاغْ.
تقولُ لها : القدسُ جوعُ الفقيرِ إلى منزلٍ في السّماءْ
تقولينَ : فقرٌ غنيٌّ بذاكرةِ الشّهداءْ
تقولُ لها : فوق هذي السَّما يبحثُ الفقراء لهم عن ذهبْ.
تقولينَ : من أي أرضٍ نرى الأرضَ أقربْ؛ لنذهبْ.
تقولُ لها : أرضنا رحلةٌ من تعبْ.
تقولينَ : هيا لنذهبْ..
إلى أيّ كوكبْ
تقول لها: سوف أمشي معَ البحرِ صوبَ القُرى
كي أقابلَ صوتكِ بين الجبالِ
ونسكنَ في نبرةٍ للصدى
.
ثم تتجهان إلى غيمةٍ
في المدى.

هناكَ
الحياةُ بدائيّةٌ..
لا ترى غيرها
لا يضيقُ بها شاعرٌ أو نبيْ.
حقيقيّةٌ..
تسألُ الأمنيةْ
متى سوفَ نخرجُ من يومنا الفوضويْ
طبيعيةٌ..
لا جناسَ بها يربكُ الأغنيةْ
ولا الشرقَ يخلَصُ منْ لكنةِ العربيْ
مسالمةٌ..
لا حروبَ بها ترفعُ الأدعيةْ
ولا الورد يتعبُ من لونه الدّمويْ
وهناكَ
الحياةُ هي الملكةْ
لها رِفعةٌ وألقْ
بها حَيطةٌ وقلقْ
لها مطلبٌ عاطفيْ:
لو تمرّ قليلا
على
خيمةِ البدويْ
أو تحنُّ
إلى القافيةْ
.

Thursday, January 10, 2008

وسط المدينة


( 1 )

الشَّوَارِعُ الغَريبةُ تَخْلِقُني من جَدِيدٍ
تذكِّرُني دائما بطفولةٍ لم تطأْها قدماي،
ولم أنسَ بها عينيَّ
أحلمُ بطفولةٍ أجملَ كلّما صادَفَني شارعٌ غَرِيبٌ.
: الشَّوَارعُ تجعلُنا طيبينَ.
*
القصائدُ تسكنُها النِّساءُ.
والشوارعُ لا تكفُّ عن قنص القصائدِ وتهذيبها
كما يليقُ بمرور شاعرٍ فوضويٍ
ينسى دائمًا
أمامَ أيّ قصيدةٍ جميلةٍ
أنّه شاعرٌ.

( 2 )

الفَتاةُ الّتي وَدَّعَتْني
عندَ مفترقٍ أدمنتُ انتظارَها عليهِ
تسكنُ معي الآنَ
نغنّي معًا،
ونَضْحكُ على طفولتِنا
تَرسمُ فضاءً يشبهُني كثيرًا
وأوزِّعُ السّحابَ فيه بشكلٍ محايدٍ؛
كي تتسلَّلَ الشمسُ كلَّ صباحٍ،
مثل أصابعي، إلى خدِّها
تسكنُ مَعِي الآنَ في شَارِعٍ
أبحثُ فيه عن بيتٍ مُنَاسبٍ لي.
*
الفتاةُ ذاتُها
تطرقُ البابَ، بعدَ أن خرجَتْ غاضبةً
نسيتْ حِزامَها
في الممرِّ الطويلِ الذي جلسَتْ به
تشاهدُ فيلم (سويت نوفمبر) وتنتَظرُني،
تأخرتُ ليلتَها
وأنا أبحثُ عن هذا البيتِ
ذي الممرِّ الطويل.
*
نسيتُ ذاكرتي معَها،
ومشيتُ.
تُلقي السَّلامَ بعيدًا على شاعرٍ يُشبهُني
تسألُه عَنِ اسمها الّذي نسيتْهُ معي
بينما أفكّرُ كيفَ سأُعَرِّفُها
بنفسي مرةً أخرى.


( 3 )

لا أحدَ يعرفُني هنا،
وأعرفُ كلَّ الذين يمرّونَ الآنَ عليّ
في شارعٍ موازٍ ولا يلقونَ السّلامَ
أجلسُ وحدي بينهمْ،
وهمْ ينسحبونَ
بهِدوءٍ،
منَ السّلمِ الخلفيّ للذاكرةِ
وأنَا أُعِدُّ فنجانَ قهوةٍ واحدا
لِي ولَهُمْ.

( 4 )

المدينةُ كسائحٍ أجنبيٍّ
تحاولُ فهمَ ملامحَ سكّانِها
ثمةَ خدشٌ في يدي
يحتاجُ إلى ترميمٍ؛
لتفهمَ المدينةُ ملامحي.
*
هنا، وسط المدينةِ
قابلتُ صديقي في نفس المقهى الذي كنّا نجلسُ فيهِ معًا،
قبلَ أن يُرَاهِنَ على قصيدةِ النّثرِ،
نراقبُ المدينةَ
ونخفّفُ المعنى مِنْ ثِقَلِ الوزنِ
ومن شتاءِ المفرداتِ
ودّعتُهُ
ووسطُ المدينةِ مزدحمٌ
بالمفرداتْ.

( 5 )

قالتْ لي: أعرفُكَ،
رأيتُكَ مرةً تنسحبُ من ذاكرتي
بمهارةِ عاشقٍ.
وتظاهرتُ؛ لأنني حسبتُها القبلةَ الأخيرةَ
ليْ منكَ،
أنّني لا أعرفُكَ.

Tuesday, February 13, 2007


غرق


[ ... ]

[ ... ]

للمرة المائة

تقفين على فوهة القلب

تغمضين عينيك

تقذفين بالكلام

تنسين أن المشي على حبل واحدة

لا يحمل إلا طريقةً واحدةً

للخروج.

.

صوتُكِ الزجاجيُّ يسحبُني، كتلك الزرقةِ، نحو الغرق، الغرق في هذه المرة يعني أن أراكِ و لا أحسَّكِ، موجودة و غير موجودة، لكِ اسمٌ و لي اسم و ليس لنا أسماء.. كلها شوائبٌ تذوبُ و يبقى الغرقُ.

أتفقَّدُني هذا الصباح،

عشر ُأصابع لم يكسرْها البردُ بعدُ، و لا الكتابةُ عمّا يسميه الأصدقاءُ كُفرًا، و ما اسميه انكسارا. قدمان حافيتان تفتقدان القدرةَ على جذب الجهاتِ عكسَ اتجاه الريحِ ذلك ما يمكِّنُ الشارعُ من نصبِ مصيدةٍ قبل وصولهم بخطوتين. قميصٌ أبيضُ يذكِّرُني بعينين ابيضتا ذات فقدٍ ربما سأفقد جسدي بعدَ قليلٍ و أغرقُ.

حاولتُ الخربشةَ على المرآةِ؛ لأغيّرَ صورتَكِ قليلا، تبدين أبهى دون حريرٍ يرتعشُ كالطفولةِ كلّما اقتربتُ.

هو الحرير إذن يجعلُ منا اثنين، يَحُولُ بيننا و بين الغرقِ، يقفُ صلبا لئيمًا، يمارسُ عادةَ القادةِ في الحروبِ في الجلوسِ تحت خيمةٍ و نسب النصر لهم، و لكن هذه المرة ستمزِّقه خربشتي الصغيرة؛ ليصبحَ النصر من حقّ أجسادنا.

[ ... ]

أجسادُنا التي لا تنامُ

لا تعرفُ الصحوَ.

*

أجسادنا ندبةٌ بحجمِ الفضاءِ

تدخلُ القصيدةَ.

[ ... ]

فرحٌ يسعى..!

ليْ أنْ أسعى إذنْ؛ لتنالَ كلماتي معانٍ جديدةً تُخرجُها عن السياقِ المحبوسِ في (صَمَتُّ).

الصمتُ يُسلمُ مفاتيحه لثرثرةٍ عابرةٍ عن حبيبين يجيدان قصقصةَ الواقع كما يليقُ.

قد يظنّ البعضُ أنها أسطورةً، رغمَ ما تحتويه الأساطيرُ من فراغٍ لزجٍ.

الأساطيرُ - أيها البعضُ - لا واقعَ في منازلها،

الأساطيرُ يسكنها الخيالُ الذي يجيدُ الهروبَ من كمائنِ (كُنْ).

هكذا،

في لحظةِ خيالٍ سخيةٍ قرَّرنا أن نصبحَ إلفين بلا عرسٍ يغرقنا في الفراغ.

Friday, December 29, 2006

غد قد كان

ستارتان تموِّجان الظلَّ

لامرأةٍ تُزيّنُ ما تبقى من أُنوثتها،

تدفِّئ ليلَها بزجاجتين من النبيذِ

و تنطوي في الركنِ شيبٌ غامضٌ

يغفو على كتفِ المساءِ.

اليوم يشتدُّ الخريفُ

و يستقيلُ الوردُ من طاووسِ ذِكْراها

: انتهيتُ كأيِّ فستانٍ جميلٍ.

هكذا كانتْ تلمُّ العمرَ عن جدرانِ غرفتها

الهدايا

و ابتساماتٌ معلّقةٌ

علاماتٌ على التقويمِ: أعيادٌ مضتْ

أو ربّما حبّ تردّدَ في زيارتها.

المساءُ يفكّ أزرارَ التذكّرِ دون إذنٍ

و ابتساماتُ النبيذِ تُدَحْرِجُ المُدُنَ التي زارتْ

و هذا ليلُها مزجٌ من الزفراتِ صاعدةٍ

و موتى هابطونَ.

العمرُ منعطفٌ و نافذةٌ على لا شيءَ

يخدشُها غدٌ قد كانَ.

Monday, December 25, 2006

نصوص

روح

تقرأُ القلبَ نافذةً

نافذةً؛

لتعرفَ من أين يُطلّ الإلهُ

في كل مرةٍ

يفركُ الذنبُ عينيه.

قلب

على حافّةِ الفجرِ

يُعلِّق منديلا ناعما،

تخطفه الحبيبةُ

كلَّمَا غفا.

عادة

تغيبُ

حين تقتربُ منها

و تهبطُ على قلبكَ حين يقبّلكَ عطرُها.

انتظارُكَ مُعلّقةٌ بمقاييس امرئ القيسِ،

انتظارُك تسبيحٌ يدّق السماءَ بمقاييس القُربِ.

هكذا،

بين شفتيكَ،

أصابعُ مغموسةٌ بالأمسِ

و عينان طفلتان.

صمتْ

كلماتُكَ

لم تعدْ قادرةً

على حمل خطوط يدي.

*

أنفاسُكَ

خشنةٌ، لا نبيّ فيها،

تجرحُ الهواءَ

تجرحني.

*

منكَ

يخرجُ الصمتُ

أشجارا جائعةً

تقضمُ الكلماتْ.

Saturday, November 25, 2006

كلامٌ عابر


كلامٌ عابر

لا يرغب الشاعر حين يمسك القلم أو يتمتم سطرا شعريا أو حتى حين يُخرجُ رأسه من النافذة ليتفقد الطقسَ أن يدوِّن ملاحظةً و لا أن يؤدي فعلا يوميا اعتاده بقدر ما يرغب في إعلان سخطه على العالم أو الهروب إلى الكتابة.

الهروب إلى الكتابة أو الهروب إلى اللغة هو ما أفعله كل صباح. كوبُ شايٍ و بعضُ الأوراقِ و سلةُ مهملاتٍ جائعة، ذلك كل ما أحتاج للتجسس على تلك الرغبة في ترويض و إعادة صفِ ليس شيئا ما بل العالم كله أحاول دائما التغلب عليه و رفضه مقنّعًا؛ لِمَا للدخول إلى جوهره من متعةٍ. ربما هي فطرة أو غريزة تلح علينا أن نضع كلّ شيء في قارورةٍ ثم نقوم بتحطيمها، وكأن هذا الفعل أو السلوك يربط بعضنا وراثيا ببعض، و يحكم علاقتنا بالأشياء من جهة أخرى. فِعلٌ أو سلوك يرتبط باستمرارية الحياة و رفضها و الاعتراض عليها عبر مفارقات لا يكفي وضعها ضمن شكل مفرد لأنه ببساطة يستدعي حضور الكل في الواحد و بشكل يحقق له الكمال.. ربما من هنا أدّعي أن الكتابة محاولة لملامسة الكمال. تسير جنبا إلى جنب معي في كل ما أقوم به و ما يقوم به الآخرون كالظل تماما و لكن دون أن يأخذ شكلي، لأنه في ذات اللحظة يتقمص شكلَ من يسير على الجانب الآخر و من يسير في الاتجاه المعاكس أيضا.. ظل يمتد في جميع الاتجاهات لأن مصدر ضوئه داخلي أنا. فالكتابة هي تلك المتعة المؤجلة التي لا أشعر بها إلا حين الخروج من العتمة وصولا إلى تلك المساحة المضيئة؛ لتصبح هي الملاذ الأخير لتَفَهُّم و التفاهم مع النفس و الأشياء من حولها ابتداء بالذات و انتهاءً بالعالم ابتداءً بتوترات الحب و انتهاء بتشابكات و عقد الحياة.

الابتسامات و ذلك الوجه المتعب، الشوارع، النوافذ، البيوت، الطيور، العربات، الهواء، الشتاء و الصيف و .. و ... كلها لا تمل من تكرار نفسها و كأن هناك جلادا يشير لها:" هكذا و إلا.. ".

والكتابة هنا هي الكائن الوحيد المتمرد على ذلك كله لأنها تقوى على حملهم جميعا و وضعهم في قارورتها الخاصة، إذن هناك جانب متألم يسحبها نحوه، يقول الشاعر الإنجليزي شيلي : " أن أكثر أغانينا جمالا هي أكثرها حديثا عن الألم". و هناك جانبٌ يُكسبها إحساسا بالغربةِ عن المكان و الزمان معا يجعلها في حالة ترقب لما سيحمله الوقت و ما سيؤول إليه المكان و لا مناص لها، في هذه اللحظة، إلا الخروج برؤيةٍ تُهيِّئها لذلك كله. و لا تنشغل بتسمية القلب قلبا أو الحبِ غيبا، أو الموت مرآةً هكذا غير مشغولة بإعطاء المسمى نصيبا من التعب و لا قسطا من الراحة، كلّ شيءٍ موجود، فلا حاجة لها للإضافة بقدر حاجتها لكشف الأشياء و جعلها شفافة مضيئة...

قد أبدِّل في اليوم أكثر من قميص و لكني أنا في جميع القمصان، الموت حين يُجرّد يصبح همًّا و الجوع و الحاجة للغير و النفي كل ذلك في النهاية يصبح همًّا. و الكتابة لا يشغلها الموت و لا الجوع ولا.. و لا.. بقدر ما يشغلها الهم. لا يشغلها أحمد و لا محمود و لا فلان بقدر ما يشغلها الإنسان.