الدور على الغرباء

Tuesday, January 24, 2006

قصائد قصيرة




ظلٌ



يضيَقُّ ليحمل موتا يتلاشى
كالحلم ...

و يكبرُ أيضا كالحلم
و يكنس ضحكتنا ،
كي نصبح أبطالا منسيينَ ،
و مقتولين بلا أسماءٍ تحملنا .

ليلى



لي وراء السماء سماء
تبدل زرقتها
حين يقترب الحالمون ،
و تبيضُّ
إن لامس الحالمون ضفائر ليلى.

ذاكرة



نسيت مع النهر ذاكرتي
و مشيتُ ...
ترد السلامَ على العابرين
و تفتح أبوابها للسماءِ
أفكِّرُ : " كيف سأعرفُ شرفة بيتي ؟"

غربة



القاطراتُ
كأوجه من خانوك َ
تمرّ و لا تضحكُ في وجهكَ. وحدُك ،
تطرق أبواب الموت فلا تفتحُ أيضا.

تجربة



في بلادي
.
.
يعلمنا الموتُ
أنَّ انتظاره أسوأ.


بالقرب منها



على بعد موتٍ..
تودِّعُ نرجسةً ، ثم ترتق آلامها بخيوط صباحٍ عنيدٍ سيفتحُ نافذةً ، كعيون المشاة ، تطل عليها..

( سيأتي الغريبُ .. سيأتي )

تردد أغنية ، ثم تضحكُ للعابرينْ ..
تحكّ النهار لتهربَ :
"
آهِ
كيف يحاصرُني مرتينْ .. ؟"



Thursday, January 19, 2006

أكثرُ من لا شيء




ها أنت تحاولُ تقليد الأرضِ
تسيرُ ببطءٍ و هدوءٍ مثقوبٍ ..
لا تحملُ في جيبك غير الفقرِ ، و أرصفةٍ ملَّتْ قدميك ،
و بعضِ الشعرِ العاديِّ ،
و حبٍ لا يسْعفُ أطرافَك ..
ها أنت ترتِّبُ ضحكتَها ، و تلامسُ كفيها كي تحلم أكثر.
" يا ربِّي ،
مذْ كانت أسماؤك تحمينا من شر حماقتنا نرتقُ أدعيةً من خوفٍ . .
يا ربِّي ،
هل صارَ الموتُ حضاريا و أنيقا .. كامرأةٍ ماكرةٍ ، تعشق رائحةَ الحبِّ ، تهندمُ كلماتٍ من نورٍ
و هديلٍ لا تخدشه البدوُ و لا الشعرُ و لا حتى رائحةٍ للأرض تبقِّعُ نبرته .
أم متروكا كحقيبة سفرٍ لا يُعرفُ صاحبها .. "

ها أنت تفتِّشُ في جيب صديقك عنك ،
و لا تجِدُ سوى الجوعِ و كسرةِ خبزٍ قيل : " الربُّ سيحرقُ من يأكلُها .. "
كلْها و ادخلْ جناتٍ من صنع يديكْ .

عن ماذا تبحثُ
عن جائعةٍ ، مثلك ، تكتبُ أسطورةَ عشقٍ ،
و تلامسُ روحك حين يمرُّ خفيفا في عينيكْ .
أم عن عاشقةٍ بيضاءَ كقلقِكَ : أن تنسى أسماءَ اللهِ ،
و تبحثُ عن لا موتكَ في آخر أنفاسكَ . ؟

كيف تحاول تقليد الأرض ،
و من دمِكَ تفرُّ الأرضُ بلا أدعيةٍ تحفظها ..

ملعونٌ شكُكَ ،
إيمانُكَ
فرحُكَ حين يكلِّمُكَ اللهُ :
" الأخطاءُ ستزهرُ في قلبك حين تموتُ .. و حين تعدُّ وصاياه العشرْ "
ملعونٌ أن تكتبَ شعرا يتحسسُ جسمَ حبيبتكَ ،
و ملعونٌ حتى أن ترسمَ بدمائِك وجهَ حبيبتِك الأولى ؛ كي لا تخدش ببياضكَ من خانوكْ .

و تظنّ بأنك صوفيٌ ستلامسُ أسرار الكلماتِ ، تشاهدُ ، بعد قليلٍ ، صورتكَ بلا إحساسٍ أرضيٍ يزعجُك ، و لا أتربةٍ تخنقُ أدعيتكَ .
من منّا سيرتِلُ أوردةً في ثلثِ الليل ليصبحَ مرضيا ..
و يسجلُ مع أولِ رقصات الفجرِ دعاءً ورديا ..

لا أدري ..
قد تبصرُ، بعد صلاتكَ ، مدنا تائهةً كحدود خريطتك بلا أبوابٍ ،
و سماءً حائرةً تأخذُ شكلَ عيونك .
قد تجدُ الجسد غريبا عنك ، و تجدُ غريبا يعرفُك ،
و تجدُ صلاتيَ أنشودة حزنٍ لا تجدي ..
قد تجد الموتَ طريقَك للا موتِ ، و تبصرُ أيضًا أكثرَ من لا شيءْ .


Saturday, January 07, 2006

قليل من الورد يكفي



" إذا أسدلت أذرع الدفء لا ترتعشْ ؛ و كن
كدعاء الأمومة قبل الزواج ،

بني ،
أتمسح بالحزن حزنا ، و تقرأ في آخر الليل وردا
يطمئن نبض البعيد ... ؟

بنيّ ،
يعسكرن في القلب ، يعزفن مقطوعة الحزن ، يرحلُ
عنك التراب تصير خفيفا يصادقك الطيبون "

( و الصباح يعود كعادته ... متعبا )

فنجان قهوة
و بعض الحديث الممل عن الحب :
" ما كان ، ما سيكون ... "

( دخان )

أسير يراقب مشيته العسكري
فقيرٌ يشير إلى الشمس كيف استدارت كحلم أبيه

سحابٌ يمرّ

مشاغبة تكسر الليل دون انتباه لمن سبقتها
قليل من الورد يكفي ليربك حلم الفتاة

تعدّل منديلها المدرسي
أمّ تقبل أبناءها الطيبين
نهارٌ يرددُ :
" أن يا فقير تعفف "

يمدّ يديه ، ليلمس أنثى تصلي إلى الله في دمعتيه :
" بني ، تمهلْ
لعل البيوت تجيء إليك تكن فارسا دون سيفٍ ...
بني ... "
.
.
.
يقلبُ أيامه ، ثم يلمس جدران غرفته
لا ليرحل ،
بعد قليل ، ستدنو السماءُ
رويدا
تقبل غمازتيه ،
يقلب أيامه ... لا ليرحل ، بلْ
كما يفعل الشهداء .

" و بعدك من سوف يلمس روحي ، من سوف يدخل غربتنا ، ثم من سوف يرسل نافلة للسماء ... "
ـ سيمتد بيني و بين أصابعك المتعبات خريفٌ ، يكسر تحت خطاه البنفسج ، مثل سعالٍ تمدد كالليل من شرفات المدينة ْ
" و بعدك من ... ؟
"

نهارٌ خفيفٌ


نهار خفيف يحط ـ فراشا ـ على كتفي و يهمس :
هل هندُ أنت ؟
و هل هند عاشقة من زمان الطفولة ،
تنقذ ليل الغريب ، تعلق قلبا على شفتيها ، و تمشي ـ كما يفعل الأشقياء ـ إلى ليلها المعدني .
و طوبى لمن يحمل الآن هندا على كتفيه

هند الجميلة مشغولة بالشقاء /
على النيل أن يتأنى قليلا .. لعل السنابل ترسل عذراءه الموسمية
قبل هبوب المساء
إلهي ،
أحطه من النور بالنور ،
و احفظ بياض السماوات في روحه

و هند تلم حقائبها من عيون مدينتنا المتعبات ،
و تبقى بلا هند ، هندُ
و لا شيء في الدرب أقرب مني إلى الكأس حين دلفتُ إلى خارجي
و تصعدُ مني القصائد أنثى
و ما بين خطوي و نبضك وردٌ تساقط ـ من عنقه المتحجر ـتحت خطا العابرين .
هناك ...
تمشيت عبر هدوء المكان ،
رأيت الكواكب ساجدة للنبي بعينك ، تسأل :
هل ذاتها الطير تأوي إلى راحتيك إذا ما الشتاء تنفس .. ؟
هند تمسدُ شعر طفولتها ، و تمد يديها إلى مخلص ، أرسلته السماءُ
ضئيلا كفرحي ..

و عذراء تشعل شمعتها في مهب المساء .. و تلقي إلى النيل ورد أنوثتها ،

إلهي
من الود فاخفض إليه جناحا ..
و ارحم خطاه
*
تطلين خيطا من النور /
تلسعني حاسة الماء /
هندُ
إذا أطعن البعد ، لا تتركيني
و كوني لهاث العشيقة فوق سريري بعد انتهاء القصيدة /
كوني حديث الغريب عن البيت /
جدران ذاكرة تستريح على نخلة البدء
هندُ تمدُّ ذراعا إلى مخلصٍ أرسلته الخطايا
.
.
نهارٌ خفيفٌ على كتفي

الدور على الغرباء


في الغرفة مروحةٌ تقطف أبخرةً عن جسدي ،
صورٌ للذكرى ،
أوراقٌ فارغةٌ تعبثُ بهواءٍ رطْبٍ ،
و دخانٌ يرقصُ كالشعرِ
و يلهو في الضوءِ ، يؤسِّسُ كونا مختلفا .
تعَبٌ هشٌ يضبطُ خطته ليموتَ .
قميصٌ تركتْـه ليكسرَ أنفاسَ قصيدتِنا ..

" من أنت لتخلقَني ؟ " قالتْ ،
قلتُ : " أنا أنتِ و لكني
أعرف كيف أخادع قلقي المتكدس كالنورِ
و كيفَ أُرْتِبُ أنفاسا من نارنجَ ،
وأفتحُ نافذةً في الأفْقِ
و نافذةً في القلبِ لأعرفَ كيفَ يحاسبُني اللهُ ..
و لستُ إلهًا صوفيًا كي أسكنَ هذا القلب و أصعدَ نورا مع روحكِ حين تريدينْ " .

في الغرفةِ ، تسَّاقطُ مني الكلماتُ لتردفَ قافيةً حمراءَ ، و ساكنةً كغروب الشمسِ بلا تأويلٍ أو حتى نقدٍ أهبلَ . قافيةً تُغمضُ عينيّ لتبدأَ .. قافيةً تخضرُّ لتورقَ أزهارا و خيوطا تحملني ...
قافيةً من وجعٍ شرقيٍ : كيف يليقُ بنا أن نصبحَ إلفين بلا عرسٍ يُبعدنا ، أو حتّى تدبيرٍ فوقيٍ يعدِلُ عن قولِ : " الحُلكةُ نورٌ .. "
الحلكةُ نورٌ ، مثلك ، ينتظرُ ، فكنْ أنت و لا تخشَ ...
و اِكسرْ كلَّ أصابعك الحمقى ؛ كي تخرجَ منك إليكَ و يضْيَقَّ الليلُ هناكَ ، و يتَّسعَ النورُ ، فتصبحَ أنت قصيدتك و أنتَ قصيدتها .

نافذةٌ تكتبُ قصةَ مجنونٍ لا يحملُ ليلاه على كفيه و يرقصُ ..
لا وردَ على شفتيهِ و لا وردَ هناك يهندسُ ، كالنملةِ ، أرصفةً للرؤيا . لا شيءَ هناك سوى لا شيءَ و لا شيءَ و مجنونٍ لا ...

من أين يجيءُ الناسُ و في أعينهمْ مدْنٌ تُدمنُ تبديلَ السكانِ ،
و أرصفةٌ حمراءُ كليلٍ أندلسيٍ يبكيْ .
من أين يجيءُ الناس فرادى مكسورينَ ، يجرُّونَ كَحَال الصوفي ، من الأرض إلى الأرضِ ،
خريفا صيفيا ..
ويمرُّ النهرُ على أعينهم مرتبكا كنبيٍ يحملُ قلبا أندلسيَّ الحزنِ و يهمسُ للضوءِ :
لماذا تحملُ فجرا ، في عينيك ،
يودِّعُنا .
و لماذا تهربُ حين نناديكَ ؟
تقولُ : غدا ،
سيجيء الدور على الغرباءِ
أقول : غدا ،
سيجيءُ الدورُ على الشهداءِ .

في الغرفة يذبحني الصمتُ
و تنسيقُ الشعرِ على هيئةِ قبعةٍ يحملُها الريحُ شمالا ...
و جنوبا حيث النيلُ يحكُ الأرضَ و يومئ للسحْبِ :
" ترافِقُني يا قدري ..
و أرى في أول دربي آخره ، و أرى آخر دربي من أوله .. "
( و القدر حليفُ نهايتنا )

في الغرفةِ لهجةُ بدويٍّ :
" يا ربي ،
يا ربَّ المكسورين أَغثنا ، و اخفضْ لي ليلا من نورٍ يبصرْنا ."

في الغرفةِ أعشقُ ما تكتبه الجدرانُ على وجهي ،
رائحة الموتِ تئزُّ ـ كما النحلةُ ـ حين تمرُ على ضلفةِ شباكي المكسورِ ،
هشاشة تعبٍ يضبطُ خطته
لأموتْ .